نشأ سعد يتيما ، حيث توفي والده وهو في الثالثة من عمره ، إثر حادث سير مروري ، فعاش وحيدا تحت كنف أمه ، ينهل من منبعها الصافي ، ولحنها العذب ، وحنانها الدافيء ، وقد اهتمت بتربيته أيما اهتمام ، كيف لا وهو فلذة كبدها ، والوحيد من أبنائها ، لذا كانت تخشي عليه منذ صغره .
كبر سعد ، فأدخلته والدته في المدرسة الابتدائية القريبة من بيتها ، فأصبح من المتفوقين دراسيا ، ولكن زملائه في المدرسة كانوا ينادونه بـ ( ابن العوراء ) إذ كانت والدته بعين واحدة ، ولكنه لا يفقه ما يقولون ، لصغر سنه ، وبعدما أنهى دراسته الابتدائية انتقل إلى المرحلة المتوسطة ، وكان الطلاب كذلك ينعتونه بما تقدم من نعت ، فكان يأتي إلى المنزل وهو مكلوم الفؤاد ، فأخبر أمه بذلك ، ولكنها لم تكن تعيره سمعا ، فكانت تحاول أن تصرفه عن هذا الأمر ، بل كانت تقسو عليه قسوة المحب له ، بعد ذلك دخل الثانوية ، ومن ثم الجامعة ، وكان نعم الأنموذج للطالب المثابر ، ولكن ثمة هناك خطب دائما ما يتردد في ذهن هذا الشاب ، وهو منظر أمه ، وعينها الكريمة ! وكان مع ذلك يشكو في نفسه قسوتها له ، بالرغم من محبته الشديدة لها .
أنهي سعد دراسته الجامعية ، وبعد ذلك قرر أن يخطب زوجة له ، لتكون شريكة له في حياته ، فقرر أن يخطب من إحدى العائلات بنفسه ، وقد أخبر والدته بذلك ، فسرت بادي ء ذي بدء ، إلا أنه طلب منها ألا تذهب معه لخطبة تلك الفتاة ، حتى لا يروها أهلها ، ومن ثمة يرفضونه زوجا لابنتهم ، فوافقت على مضض من أمرها !
خطب سعد تلك البنت التي كان يحبها ، ومن ثم تزوجا ، فقرر سعد أن ينتقل إلى مدينة أخرى ، بهدف الابتعاد عن أمه ، خشية أن تعيبها زوجته .
وفي يوم من الأيام قررت الوالدة أن تزور ابنها وفلذة كبدها ، لتطمئن عليه ، وعلى زواجه ، ولكن هذا الابن لم يعط هذه الزيارة أي اهتمام ، ولم يستعد لها ، فحدث ما لم يكن بالحسبان ، إذ جاءه نبأ وفاة والدته في الطريق إثر حادث سير ، ووجدوا معها رسالة إلى ابنها الوحيد ، مفادها :
" ولدي ، وفلذة كبدي ... لقد كنت قاسية في تربيتك ، لأني أحبك ، ولكنك كنت تعيبني بالعوراء ، وسبب ذلك أنك كنت مع والدك في الحادث الذي توفي فيه ، فأصيبت عينك ، وقد قرر الأطباء آنذاك انتزاعها ، فأعطيتك عيني ليزرعوها مكان عينك التي افتقدتها ، فأصبحت كما تراني بعين واحدة " انتهت الرسالة .
وعندما قرأ الابن الرسالة أجهش بالبكاء ، وذرف دموعه ، وحق لهذه الدموع أن تكون أغزر ، لأنه ينزف فقدا لمن تكفكفه ، ولكن بعد ماذا ؟
بعدما توفيت والدته ، ونوره في هذه الدنيا ، وقرة عينه التي لا يمل من رؤيتها !
فقد سعد من تعبت على تربيته ، وأعطته وقتها ، وصحتها ، وكل ما تملكه في هذه الحياة ، كل ذلك من أجل إسعاده !!!